أسعار جنونية.. رحلة البحث عن سحور في خيمة رمضانية
تقرير: مارينا ميلاد:
لأيام، بحثت إسراء هشام (21 عامًا) عن خيمة رمضانية يمكن أن تذهب إليها مع أسرتها خلال شهر رمضان الجاري. لكنها لم توفق في اختيار أي منها، بسبب أسعارها التي تراها "جنونية" هذا العام.
تدفقت عشرات الإعلانات للخيم الرمضانية أمام "إسراء" على موقعي "فيسبوك" و"إنستجرام". فتقول، وهي تقلب بينها: "أقل سحور في خيمة جيدة المستوى، سيكلفنا أكثر من ألف جنيه للفرد تقريبًا!".
بالنسبة لأسرة "إسراء" وغيرها، لم تعد تلك النزهات شيئًا سهلا منذ العام الماضي، حين تراجعت قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وزادت أسعار جميع السلع الغذائية مرات متتالية، وتخطى معدل التضخم الـ30%، وهو الأعلى منذ نحو ست سنوات.
تُضيق "إسراء" (الطالبة بكلية الآداب) نطاق بحثها على الخيم الرمضانية المتوسطة وفوق المتوسطة، إذ ابتعدت عن خيم الفنادق الكبرى أو المناطق المعروفة بغلاء أسعارها كالتجمع الخامس والشيخ زايد. كما اقتصرت خطتها على وجبة السحور وليس الإفطار.
ومع ذلك، أخبرتها أغلب الخيم التي تواصلت معها، بوجود حد أدنى لطلب الفرد. ففرضت خيمة حديثة العهد بقلعة صلاح الدين حد أدنى لوجبة السحور، قدره 350 جنيها غير شامل الضريبة.
فيما أقرت خيمة أخرى بمنطقة مصر الجديدة حد أدنى بلغ 480 جنيها، ولا يتضمن أيضًا رسوم الخدمة والضريبة، وذلك في أيام نهاية الأسبوع فقط.
لكن حتى وإن تجنبت "إسراء" تلك الأيام، فلن يتغير الأمر كثيرًا، حيث يصل متوسط سعر وجبة السحور العادية للفرد إلى 380 جنيها. ما يعني أن أسرتها المكونة من أربعة أفراد ستنفق قرابة الألف ونصف جنيه في ليلة واحدة.
تقول "إسراء" بنبرة ساخرة: "نحاول الابتعاد عن الضغوط اليومية قليلا بتلك السهرات، خاصة وأنها مميزة لشهر رمضان، لكن اكتشفنا أنها ستحملنا ضغوطًا أكثر!".
يتعجب والدا "إسراء" من الأسعار التي تخبرهم بها، خاصة وأن معاشهما، لم يتجاوز الثمانية آلاف جنيه بعد زيادته هذا الشهر بنسبة 15%.
يقول هشام جلال (والد إسراء): "لا يمكننا مجاراة الأسعار بأي حال من الأحوال، ويبدو أن تلك الخيم أصبحت للأغنياء فقط.. لم تعد لأمثالنا".
استمرت "إسراء" في البحث على مواقع التواصل الاجتماعي، وامتدت استفسراتها إلى خيم أخرى.. لكن الوضع لم يتغير بل زاد مبالغة – حسب وصفها. فتراوح الحد الأدنى للفرد بين 700 جنيه وحتى 1200 جنيه، مقابل وجبة السحور بأصنافها المعتادة: (طعمية، فول، بيض، وزبادي).
ومنذ شهر رمضان الماضي، ارتفعت أسعار الأطعمة والمشروبات بنسبة 61.5%. فمكونات وجبة السحور من خبز وألبان وبيض وحدها زاد سعرها بأكثر من 70%. في وقت أقرت الحكومة 3500 جنيه كأحد أدنى للأجور.
تغري تلك الخيم متابعينها بمقاطع مصورة تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر أجواءها الرمضانية وديكوراتها المزينة بالخيامية وفقراتها الفنية التي تتنوع بين تخت شرقي، فنون شعبية، ووجود أحد المطربين الشعبيين، وربما الأخير هو الأهم في عملية تسويقهم.
لم تكن صورة الخيم الرمضانية هكذا حين بدأت.
فالخيم التي عُرفت في العصر الفاطمي، كان يطلق عليها اسم "بيت الشعر" وتضم مسابقات وحلقات ذكر وتواشيح دينية. ثم تحولت إلى الجانب الترفيهي في العقود الأخيرة من القرن العشرين، حيث اشترك بها كبار المطربين أمثال محمد عبدالمطلب أو شفيق جلال.
تتذكر روحية علي (والدة إسراء) الخيم التي كانت تحضرها مع أسرتها في الماضي، وقت كانت سرادقات تقام بمناطق شعبية وتُخصص للشيوخ أو مغنيين تخصصوا في غناء الفولكلور. فتقول: "كنا نستمتع بها كثيرًا، وكانت في متناول الجميع.. لم تحملنا أي عبئ".
ذلك قبل أن يطغي على الخيم الرمضانية مطربي المهرجانات، وأبرزهم عمر كمال، وحسن شاكوش، وحمو بيكا، وفي بعض الأحيان يتم الاستعانة براقصات.
يتماشى ذلك مع المزاج العام للجمهور هذه الأيام، كما يرى أشرف منير (مدير إحدى الخيم الرمضانية بالقاهرة الجديدة)، والذي يعمل في المجال منذ 15 عامًا. فيقول "إن الخيم تتغير وفقا للذوق السائد". فانتقلت من السرادقات إلى الأندية الكبرى ومنها إلى الفنادق و"الكافيهات"، لأن الزبائن أصبحوا يفضلون تلك الأماكن مثلما يفضلون مطربي المهرجانات.
يمسك "منير" بقائمة ممتلئة بالحجوزات. يدرك أن تلك الاسماء صارت "جمهوره"، الجمهور الذي اختلف عما كان عليه في السابق. فيقول: "اضطررنا لرفع الأسعار، فهذا الموسم الذي ننتظره كل عام، ونعلم أن ذلك لن يناسب الجميع بالتأكيد".
لم تكن أسرة "إسراء" بين جمهور "منير" المستهدف. وبالتالي، استبعدت خيمته وعثرت في النهاية على خيمة أخرى بإحدى حدائق منطقة مصر الجديدة، ألغت الحد الأدنى لطلب الفرد بعد الأيام الأولى من شهر رمضان.
وبحسبة بسيطة منها، اكتشفت أن سعر وجبة الفرد لن يقل عن مائتي جنيه، إلى جانب سعر دخول الحديقة 20 جنيهًا.. فاكتفت الأسرة في تلك الليلة التي غلب عليها الكثير من الحسابات، بالتجول والجلوس في الحديقة فقط، ثم تناول السحور خارجها عند أحد مطاعم الفول.
اقرأ أيضا:
فيديو قد يعجبك: