إعلان

من داخل العناية المركزة.. بنت الـ7 سنوات "شافت الموت بعينها"

11:28 م الأربعاء 14 ديسمبر 2016

سوسنة بولس

كتبت- دعاء الفولي وشروق غنيم:

على أحد أسرّة العناية المركزة في مستشفى الدمرداش الجامعي ترقد سوسنة بولس. زائروها ليسوا من الأقارب فقط؛ فتيات دلفن الغرفة المُعقمة، ألقين السلام، تقول إحداهن لوالد الطفلة ذات السبع سنوات "ربنا يشفيها يا أبونا". طبيب الصغيرة يمازحها: "دي بتتدلع علينا"، فيما ابتسمت والدتها بالكاد، بعدما راحت جدة سوسنة ضحية لحادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، وبقيت الخالة في غرفة العناية المركزة.

في ميعادها المُقدس ذهبت سوسنة بولس إلى البطرسية بصُحبة أسرتها. لم يكن قُداس الأحد الماضي 11 ديسمبر عاديا؛ وافق الذكرى السنوية الثالثة لرحيل جدها. صورة العذراء مريم كانت قبالة الجالسات في قاعة السيدات، سوسنة تُغمض عيناها مُستمعة لكلمات القس. والدها الكاهن بولس داخل مكتبه في الجهة الأخرى من الكنيسة، الأم مستندة لأحد مقاعد الصفوف الأولى ومعها خالتها ووالدتها فيما تلعب أختها الأكبر جيمفيان في الخارج. العاشرة إلا خمس دقائق دوى الصوت. تطاير الجمع في اتجاهات مختلفة؛ فذاب قلب الأب بولس بحثا عن أسرته بين الركام، وحصد الحادث 25 روحا، وأُصيب أكثر من 50 آخرين.

لحظات فصلت بين الانفجار وركض الابنة جيمفيان تجاه والدها "سوسنة اتعورت يا بابا".. قالتها الفتاة. دقائق فقط تستغرقها المسافة بين المكتب والكنيسة، مرت فيها تفاصيل الابنة أمام عين الكاهن "سميناها سوسنة عشان جاي من ريحة ورد السوسن ولأنها كلمة في الكتاب المقدس". تلقف ابنته من على الأرض مُسرعًا إلى مستشفى الدمراداش "أول ما وصلت واحد شالها وطلعها على العمليات كإنها بنته".

حينما استفاق الأب بولس مما حدث، أطلعه الأطباء على إصابات قرة عينه "شظية في الضهر، تم استئصال جزء من الطحال، شرخ في الحجاب الحاجز وتجمع دموي في قشرة المخ". انتظر الأب أكثر من 24 ساعة حتى عادت ابنته للحديث بكلمات قليلة، زادت مع الوقت "انهاردة لما الدكتور دخل يشوفها قالت له إنهم غيروا لها على الجرح".

استقرت سوسنة في أول سرير بغرفة العناية المُركزة؛ الصمت حليفها، تحاوطها دُمى قُطنية تضم إحداهما، حول جسد الفتاة استقرت صور العذراء مُجددًا. جلس الأب بجانب الابنة مطمئنا عليها، مربتًا على يديها من حين لآخر، فيما ترد الفتاة بالإيماءات دون أن تنبس بكلمة. تحاول الأم أن تُقدم لها مشروب "يالا اشربي العصير عشان تخفي وتخرجي من هنا"، لكن الفتاة تُشيح بوجهها بعيدا.

داخل غرفة العناية المُركزة كان الأب مُتماسكا، يستفتيه أهالي المُصابين في أمورهم، بينما يصطحبه أحدهم كي يُلقي التحية على ضحايا الحادث؛ تلك الحالة لم تختلف كثيرا عن مظهره يوم حمل ابنته إلى المستشفى، إذ حاول طمأنة أهالي المصابين، وكأنه عنايتهم وسط الهلاك.

قبل الحادث لم يكن في حياة طالبة الصف الثاني الابتدائي متسعا لرقود "كانت بتلعب بالية وجمباز وسباحة في نادي طلائع الجيش" حسبما قال الوالد لمصراوي، غير أن وجهها المستند إلى سرير غرفة العناية، ظل يسأل الأب عن ميعاد الخروج، اللعب، وسماع القصص من المعلمات مع أصدقائها في الفصل.

يُقاطع المشهد دخول الدكتور عادل فتعلو ابتسامة شفتاها، ثم تُشير إلى كتاب أسفل السرير "10 قصص مُختارة من الكتاب المُقدَّس"، فيعلم الأب سريعًا رغبة ابنته "إنتِ عاوزة تسمعي حكاية جديدة بقى". يمر الدكتور عادل -الذي يرافق زوجته صفاء المُصابة- على سوسنة من وقتٍ لآخر. يقُص عليها حكايات ذات عِظة تؤنسها "إمبارح قالها حكاية العصفورة". يروي قصة الحصان الذكي، وما إن تبدأ الحكاية في التدفق، ينضم عدد من الممرضين للاستماع أيضًا؛ فتُنسى رائحة المُعقّم النفاذة وجروح سوسنة النافذة.

ثلاثة أيام لم يبرح فيها الأب محراب ابنته المريضة "مخرجتش غير امبارح بس عشان العزا"، لم يرَ آثار الدمار على القاعة بعد. يزرع الكاهن في سوسنة الصبر، يُبشرها بحديث الطبيب عن انتقالها لغرفة عادية بعد يومين، يعدها أن الأمور ستكون أفضل، يتفادى ذكر ما جرى أمامها، يعلم في نفسه أن من فعل ذلك ليس إنسانا "دة لو حد ماشي في الشارع ولقى قطة تعبانة بيراعيها.. ما بالنا ناس بتصلي".

فيديو قد يعجبك: