من 1900 حتى 2024.. كيف تلاعب تلوث نهر السين بأولمبياد باريس؟
مارينا ميلاد:
الطقس معتدل في باريس والشمس ساطعة، لكن مياه الصرف ذات اللون الأخضر المائل إلى الرمادي، تتدفق بسرعة بالأسفل وتزيد من تلوث نهر السين، حيث تقام مسابقة الترياثلون (الثلاثي) ضمن فعاليات الألعاب الأولمبية، فتهددها وتعطل تمارينها ومنافستها.
فخلال هذا الأسبوع، اضطر منظمو أولمبياد باريس 2024، إلى إلغاء تمارين مسابقة الترياثلون، اللعبة التي تتضمن السباحة والدراجات الهوائية والجري أكثر من مرة، لعلو نسبة تلوث النهر، فيما ظلوا على أمل أن يتحسن الوضع وتُقام منافسات أمس الثلاثاء.
لكنهم اضطروا إلى تأجيلها أيضًا، لينزل السباحون إلى النهر اليوم الأربعاء بعدما قال المنظمون "إن فرصة ذلك لا تتجاوز 60%"، الأمر الذي وصفه المتنافسون بأنه كان "مخيبا للآمال بشكل واضح".
وبالنسبة للسباحين، طالما جَرت أحداث غريبة على نهر السين خلال النسخ السابقة لأولمبياد باريس، أحداث إما تتعلق بصعوبة ألعابهم واختفاؤها لاحقًا أو حظر السباحة داخله رغم كل جهود تنظيفه وتحسين جودة مياهه.
نسخة 1900.. ألعاب ظهرت مرة واحدة ثم اختفت
سباحة حواجز 200 متر
قبل أكثر من مائة عام، استضاف نهر السين مسابقة غريبة وذات قواعد معقدة قليلا، كانت عبارة عن مزيج من تجاوز العقبات والسباحة، حيث كان على السباحين تسلق عمود معلق فوق الماء ثم فوق قوارب ثم السباحة تحت قوارب أخرى قبل الوصول إلى خط النهاية.
وفي هذه المسابقة، حصد الأسترالي فريدريك لين الميدالية الذهبية، متغلبًا على النمساوي أوتو وال الذي نال الميدالية الفضية. فيما حصل البريطاني بيتر كيمب على الميدالية البرونزية.
ولم تظهر تلك الرياضة في الأولمبياد مرة أخرى، حيث تم إلغاؤها من البرنامج بعد ذلك بفترة قليلة.
السباحة تحت الماء
السباحة تحت ماء نهر السين، كانت أيضًا ضمن الرياضات المدرجة ببرنامج أولمبياد باريس عام 1900.
وكان الحد الأقصى للسباحين 60 مترًا، ليحصلوا على نقطة واحدة لكل ثانية يقضونها تحت الماء ونقطتين لكل متر يسبحون فيه تحت الماء.
اجتاز ذلك بأعلى النقاط الفرنسي شارلز ديفينديفيل بالميدالية الذهبية بعد أن قطع مسافة 60 مترًا تحت الماء في دقيقة وثماني ثوان (188.4 نقطة)، متفوقا على مواطنه الفرنسي أندريه سيكس بفارق ثلاث ثوان (185.4 نقطة)، ليأتي الدنماركي بيدر ليكبيرج في المركز الثالث.
ولكن تم إلغاء اللعبة من النسخ اللاحقة للأولمبياد "لافتقارها إلى جاذبية المشاهدين"، وفقًا لتقارير اللجنة الأولمبية الدولية.
وربما سبح هؤلاء في ظروف بيئية بالغة الصعوبة بنهر السين، كما تشير لورانس ليستل (مؤرخة البيئة في جامعة السوربون)، والتي تركزت دراستها على الحالة البيئية لنهر السين منذ القرن التاسع عشر، فتقول في تصريحات لها "في أولمبياد عام 1900، أجريت مسابقة للسباحة عند نقطة لتصريف مياه الصرف الصحي".
صيد الأسماك
وكان هناك فعالية غير رسمية لصيد الأسماك على امتداد نهر السين خلال أوليمبياد عام 1900. وجذبت مسابقتها نحو 600 مشارك. ورغم أنها لا تتعد كونها "رياضة استعراضية" لكنها أظهرت مدى تلوث النهر، وهو ما يراه بيل فرانسوا، (عالم فيزياء فرنسي وصياد هاوٍ)، الذي يقول "في أولمبياد عام 1900، قاسوا حجم الأسماك التي اصطادوها في المنافسة، ولم يكن أي منها أكبر من حجم اليد."
نسخة 1924.. حظر السباحة بالنهر
استضافت المدينة الأولمبياد للمرة الثانية عام 1924 وسط حظر السباحة في نهر السين منذ عام 1923.
وفي هذه الأولمبياد، بنيت للمرة الأولى مكان يجمع كل الرياضيين وأنشئت خصيصاً للألعاب الأولمبية مواقع عديدة، مثل ستاد جديد للألعاب المائية، فضلا عن ملاعب للتنس.
وبحلول سبعينيات القرن الماضي، بلغ تلوث نهر السين ذروته، إذ كان يجري تصريف أكثر من نصف مياه الصرف الصحي في باريس داخله دون معالجة، مما أدى إلى اختفاء الكثير من أنواع الأسماك.
نسخة 2024.. التلوث يعود ويعطل المسابقات
تحسن الوضع إلى حد ما خلال فترة التسعينيات بعد التوسع في محطات معالجة مياه الصرف الصحي.
وفي السنوات اللاحقة، أنفقت السلطات الفرنسية 1.4 مليار يورو لتنظيف النهر وتحسين نظام الصرف، فضلا عن بناء مرافق جديدة لمعالجة المياه وتخزينها.
وأبرز تلك حلول باريس؛ كان خزان التخزين الضخم تحت الأرض بالقرب من محطة أوسترليتز .
ولأول مرة، تسمح باريس بالسباحة في نهر السين بعد 100 عام من الحظر في يوليو العام الماضي، حتى أن رئيسة بلدية باريس (آن هيدالغو) فعلت ذلك يوم 17 يوليو الجاري للتأكيد أنه أصبح نظيفاً.
وبالفعل، انخفضت البكتيريا (بكتيريا الإشريكية القولونية) (إي كولاي) التي تتسرب إلى النهر بدرجة كبيرة، في حين أنها وصلت لأكثر من عشر أضعاف الحدود المقبولة خلال الشهرين السابقين للأولمبياد (مايو ويونيو).
ورغم تفاؤل بيير رابادان (نائب عمدة باريس)، حين قال -قبل بدء الأولمبياد- إنه يتوقع أن "يرى الرياضيين يسبحون في نهر السين بدون مشاكل صحية "، إلا أن صامويل كولين كانيفيز (كبير مهندسي الصرف الصحي في مجلس مدينة باريس) كان ينظر إلى الأمر بشكل أكثر واقعية، فقال في حديث سابق له: "الصعوبة تكمن في القضاء على تلك النسبة المئوية القليلة المتبقية لضمان إمكانية تصنيف المياه رسميا على أنها نظيفة".
تلك النسبة الضئيلة التي تحدث عنها "صامويل"، كانت سبب إلغاء تمارين ومنافسات رياضة الترياثلون، فذكر منظمو اللجنة الأولمبية والاتحاد الدولي لرياضة الترياثلون في بيانهما المشترك، أن "مستويات جودة المياه.. لا تقدم ضمانات كافية تسمح بتنظيم الأحداث". وذلك بعد هطول أمطار غزيرة على باريس على نحو غير معتاد خلال الأسابيع الأخيرة.
وعبر مارتن فان ريل (المتسابق البلجيكي) عن غضبه مما حدث، فقال عبر حسابه على إنستغرام: "لو كانت الأولوية لصحة الرياضيين لكان هذا الحدث قد تم نقله إلى مكان آخر منذ فترة طويلة.. لكن التغيير بهذه الطريقة في منتصف الليل يعد عدم احترام لسنوات تحضير الرياضيين وجميع مشجعينا الذين كانوا سيشاهدون الحدث على الهواء مباشرة أو عبر شاشة التلفزيون".
وقبل انتهاء الفعاليات الأولمبية في 11 أغسطس المقبل، من المفترض أن يستضيف نهر السين ثلاثة أحداث في الألعاب الأولمبية والبارالمبية، وهي الترياتلون والسباحة الماراثون والبارا-تريثلون.
ولم تكشف باريس عن خطط بديلة إن تجددت مشكلته مرة أخرى، حيث تُجرى اختبارات يومية على جودة مياهه، وكلها غير مضمونة النتائج.
اقرأ أيضا:
أولمبياد باريس 2024 | كيف تستقبل العاصمة الفرنسية "حدثها الاستثنائي" ؟
أولمبياد باريس 2024 | "البريك دانس" ضيف جديد على ساحة الألعاب.. فما هو؟
فيديو قد يعجبك: